Image Not Found

حوار الطرشان !

د.طاهرة اللواتية – عُمان

يعتمد المجتمع على الأسرة، فهي اللبنة الأساسية فيه، وكلما كانت الأسرة متماسكة ومتفاهمة كلما قامت بأدوارها التي تخفف الضغط عن مؤسسات المجتمع الأخرى.

كان الشباب والشابات عند رغبتهم في الزواج، يطلبون النظرة الشرعية، وجلسة للتعارف بينهما، ومع التعارف كان يحصل التقارب، ثم تعلن الخطوبة التي تستمر وقتا لإجراء التفاهمات بينهما، وثم الزواج.

عادة كان يسبق ذلك اختيار لأسرة الفتاة والتفحص عن أفرادها وبناتها والسمعة الحسنة، وغيره من المحددات القيمية الاجتماعية والثقافية الأساسية الجوهرية، وكانت أسرة الفتاة تقوم بالأمر نفسه.

ثم تتم بقية الإجراءات من النظرة الشرعية والتعارف بين الفتى والفتاة، حيث الشاب يطمئن إلى شكل الفتاة وهيئتها، كذلك هي تطمئن إلى شكله وهيئته.

الآن اختلف الوضع لدى الفتى والفتاة، فجلسة التعارف السريعة التي لا تتعدى النصف ساعة تتحول إلى جلسة استجواب بينهما، وتطرح فيها أسئلة من الطرفين تحتاج إلى عدد من الجلسات واللقاءات للوصول إلى تفاهمات مشتركة في قضايا ليست أساسية أو جوهرية، وإنما قضايا ثانوية.

ولأن الشباب عادة يعطون بعضهم البعض النصائح، فإن أصدقاء الفتى يوصونه أن يظهر شخصيته، وألا يرد على كل شئ بنعم حتى لا يظهر بمظهر الضعيف أمامها، بل بمظهر القوي ذي الشخصية القوية، حتى لو اضطره ذلك أن يقول لا ويتمسك بها في عدد من إجاباته !

الفتاة من جانبها تنصحها صديقاتها بأن تعد أسئلتها بمطالبها، وألا تتراجع عن هذه المطالب أبدا؛ لأنها أساسية وجوهرية

وتتحول جلسة التعارف ذات النصف ساعة إلى جلسة عذاب للطرفين وصراع الإرادات وتبادل الغلظة !

نؤمن باختلاف الأجيال، ولكن هناك مبدأ عام لا علاقة له باختلاف الأجيال، وهو أن لكل مقام مقال، ولكل قول وقت مناسب للحوار والتعاطي.

وأن لنجاح الزواج شروط أساسية وجوهرية، أما الشروط الثانوية فالحل فيها بالتوصل إلى حلول توفيقية وسطية، أو بتبادل التنازل مرة من الفتى ومرة من الفتاة، والحوار حول ذلك لا يأتي من جلسة قصيرة وضعت للتعارف، إنما حوارات هادئة مشتركة توصل إلى ضفة التفاهم العميق القوي الدائم، وهذا ما كان يتم خلال فترة الخطوبة.

لمَّ تحول الشباب إلى هذا الخيار الغريب ؟ هل بفعل نغمة التحدي بين الرجل والمرأة التي تؤججها بعض وسائل الإعلام، وشلل الشباب والشابات، هل بسبب غياب مراكز الإرشاد الزواجي والتهيئة قبل الزواج، هل بسبب بروز بعض نظريات التنمية البشرية التي تركز على ” الأنا ” ومتعتها، والاستقلالية الفردية بشدة، وتقلل من قيمة مؤسسة الزواج، ربما جميع هذه الأسباب معا.